الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

قصائد: بوكوفسكي

ترجمة: محمد جمال



على بعد خطوة


عرفت سيدة عاشت مرة مع همينغواي.

عرفت سيدة زعمت أنها ضاجعت عزرا باوند.

سارتر دعاني لزيارته في باريس ولكنني كنت غبياً جداً لأقبل.

كريس كروسبي صاحبة بلاك صن للنشر كتبت لي من إيطاليا.

ولد هنري ميللر قال أنني كاتب أفضل من والده.

شربت نبيذ مع جون فانتي.

لكن لا شيء من هذا مهم إطلاقاً

سوى من ناحية رومانتيكية فقط.

في يوم ما سيتحدثون عني:

"تشاينسكي كتب لي رسالة."

"رأيت تشاينسكي في حلبة السباق."

"شاهدت تشاينسكي يغسل سيارته."

كل ذلك الهراء المطلق.

في غضون ذلك، شاب جامح العيون

وحيد ومجهول في غرفة

سيكتب اشياء تجعلك تنسى أي شخص آخر

ما عدا ربما الشاب الذي سيأتي من بعده.



أتذوق رماد موتك


الأزهار ترتعش

مياه مفاجئة

تحت كمي،

مياه مفاجئة 

باردة ونقية

كالثلج-

بينما سيوف الجذوع

الحادة

تخترق صدرك

والصخور الجامحة الحلوة

تقفز

وتحبسنا بالداخل.



ملكي


تستلقي كالكتلة.

يمكنني الشعور بجبل رأسها الفارغ العظيم.

لكنها على قيد الحياة. 

تتثاءب وتحك أنفها

وتسحب الأغطية.

قريباً سأقبل ليلتها السعيدة

وسننام.

وبعيداً في سكتلندا 

وتحت الأرض

تركض السلاحف.

اسمع محركات في الليل

وعبر السماء تدور يد بيضاء:

ليلة سعيدة عزيزتي، ليلة سعيدة.


أحذية


أحذية في الخزانة مثل زنابق الفصح،

أحذيتي وحيدة الآن،

وأحذية الآخرين مع أحذية الآخرين

مثل كلاب تمشي في الطرقات،

والتدخين وحده غير كاف

وصلتني رسالة من امرأة في المستشفى،

حب، تقول، حب،

مزيد من القصائد،

لكنني لا اكتب،

انا لا أفهم نفسي،

أرسلت لي صور للمستشفى،

التقطت من الجو،

لكنني اتذكرها في ليال أخرى،

لا تحتضر،

أحذية بمسامير مثل الخناجر

تجلس بجانبي،

كيف لهذه الليالي القوية

أن تضطجع على التلال،

كيف تصير هذه الليالي هادئة أخيراً، 

أحذيتي في الخزانة

تطير بجانب المعاطف والقمصان الخرقاء،

وانا انظر داخل الثقب الذي تركه الباب والحائط

ولا اكتب.

الأحد، 11 ديسمبر 2016

مغامرة الفلسفة الفرنسية (1): آلان باديو

ترجمة: محمد جمال

دعونا نبدأ هذه التأملات في الفلسفة الفرنسية المعاصرة بمفارقة : ذلك الأكثر عمومية أيضاً، وفي نفس الوقت، الأكثر خصوصية. هيجل دعى هذا "بالعمومية المحددة"، التوليف بين ذلك العام كلياً، المتعلق بكل شيء، مع ذلك الذي له زمان ومكان محدد. الفلسفة مثال جيد على ذلك. فهي عمومية كلياً، توجه نفسها للجميع، بدون استثناء؛ لكن في داخل الفلسفة توجد خصوصيات ثقافية وقومية قوية. توجد ما يمكننا تسميته لحظات فلسفية، في المكان والزمان. الفلسفة هكذا هي الغاية العامة للعقل، وفي نفس الوقت هي تلك التي تظهر نفسها في لحظات محددة بالكامل. لنأخذ مثال لنموذجين فلسفيين مكثفين ومعروفين بصورة خاصة. الأول هو للفلسفة اليونانية الكلاسيكية بين بارمنيدس وأرسطو، من القرن الخامس إلى القرن الثالث قبل الميلاد: لحظة محورية، مبدعة جداً، قصيرة الأجل تماماً. الثاني هو للمثالية الألمانية بين كانط وهيجل، عن طريق فيخته وشيلنج: لحظة فلسفية استثنائية أخرى، من أواخر القرن الثامن عشر إلى بدايات القرن التاسع عشر، خلاقة بشكل مكثف ومركزة حتى في فترة زمنية أقصر. أعتزم الدفاع عن أطروحة تاريخية وقومية إضافية: لقد وجدت - أو توجد، اعتماداً على أين أضع نفسي - لحظة فلسفية فرنسية للنصف الثاني من القرن العشرين، يمكن مقارنتها، نسبياً، مع مثالي اليونان الكلاسيكية وألمانيا عصر التنوير.
ظهر عمل سارتر التأسيسي، الوجود والعدم، في العام 1943 وكتابات دولوز المتأخرة، "ما هي الفلسفة؟"، ترجع إلى بدايةالتسعينات. لحظة الفلسفة الفرنسية تطورت بينهما الإثنان، وشملت باشلار، ميرلوبونتي، ليفي ستراوش، ألتوسير، فوكو، دريدا ولاكان بالإضافة لسارتر ودولوز - وربما، أنا. سنرى مع مرور الوقت. إذا كان هناك لحظة فلسفية فرنسية كهذه، موقعي سيكون كممثلها الأخير ربما. المجموع الكلي للأعمال الكاملة التي تقع بين مساهمة سارتر الطليعية وأعمال دولوز المتأخرة، هو المقصود هنا بمصطلح " الفلسفة الفرنسية المعاصرة". سأجادل بأنها تشكل لحظة جديدة للإبداع الفلسفي، على كلا الصعيدين العام والخاص. المسألة هي تحديد هذا المسعى. ماذا حدث في فرنسا، في الفلسفة، بين عام 1940 ونهاية القرن العشرين؟ ماذا حدث حول الأسماء العشرة تقريباً المذكورة في الأعلى؟ ما كان ذلك الذي نسميه الوجودية، البنيوية، التفكيكية؟ هل كان هناك وحدة تاريخية وفكرية لتلك اللحظة؟ ولو كان الأمر كذلك فمن أي نوع؟
سأقوم بمقاربة هذه المسائل من أربعة طرق مختلفة. أولاً، المنشأ: من أين جاءت هذه اللحظة، ما هي سابقاتها، ما هو مولدها؟ ثانياً، ما هي العمليات الفلسفية الرئيسية التي أخذتها على عاتقها؟ ثالثاً، السؤال الجوهري عن إرتباط هؤلاء الفلاسفة بالأدب، والصلة العامة بين الفلسفة والأدب في هذا السياق. وأخيراً، الجدال المستمر طوال كل هذه المدة بين الفلسفة والتحليل النفسي. المنشأ، العمليات، الأسلوب والأدب، التحليل النفسي: أربع وسائل سنحاول بواسطتها تعريف الفلسفة الفرنسية المعاصرة.

المفهوم والحياة الداخلية

للتفكير في المنشأ الفلسفي لهذه اللحظة نحتاج للعودة إلى الخلاف الجوهري الذي حدث داخل الفلسفة الفرنسية في بداية القرن العشرين، مع بزوغ تيارين متضادين. في عام 1911، ألقى بيرغسون محاضراته الشهيرة في أوكسفورد، التي ظهرت في مجموعته الفكر والحركة. في عام 1912، في نفس الوقت، بكلمات أخرى، نشر برنشفيك مراحل الفلسفة الرياضية. بقدومهما في عشية الحرب العظمى، تشهد هذه النشاطات على وجود توجهات مختلفة تماماً. في بيرغسون نعثر على ما يمكن تسميته فلسفة الباطن الحيوية، أطروحة عن هوية الوجود والصيرورة؛ فلسفة للحياة والتغير. هذا التوجه سيستمر طوال القرن العشرين، وصولاً إلى دولوز. في عمل برنشفيك، نجد فلسفة للمفهوم المستند على الرياضيات: الإمكانية لفلسفة شكلانية للأفكار والرموز، والتي استمرت بطريقة مماثلة طوال القرن، بالأخص في ليفي ستراوش، ألتوسير ولاكان.
من بداية القرن إذاً، أظهرت الفلسفة الفرنسية طابع جدلي ومنقسم. على جانب فلسفة للحياة؛ وفي الآخر، فلسفة للمفهوم. هذه المناظرة بين الحياة والمفهوم ستكون مركزية بشكل كلي للفترة التي ستلي. على محك أي نقاش كهذا يوجد السؤال عن الذات الإنسانية، لأن هنا يتوافق التياران معاً. كائن حي، وخالق للمفاهيم في آن واحد، الذات تستنطق التيارين فيما يتعلق بحياتها الداخلية، الحيوانية، العضوية، وفي ما يتعلق بأفكارها، قدرتها على الإبداع والتجريد. العلاقة بين الجسد والفكر، أو الحياة والمفهوم، صيغت حول سؤال الذات، وبالتالي بني التطور الكامل لفلسفة القرن العشرين الفرنسية من المعارضة الأولية بين بيرغسون وبرنشفيك فصاعداً. لتنطبق الإستعارة الكانطية عن الفلسفة كساحة معركة حيث كلنا مقاتلون منهكون تقريباً: خلال النصف الثاني للقرن العشرين، خطوط المعركة كانت ما تزال متشكلة بصورة جوهرية حول سؤال الذات. هكذا عرف ألتوسير التاريخ كعملية من دون ذات، والذات كفئة أيدلوجية؛ دريدا، مفسراً هايدغر، نظر إلى الذات كفئة ميتافيزيقية، لاكان خلق مفهوماً للذات، سارتر أو ميرولوبونتي، بالتأكيد قاما بتخصيص دور مركزي تماماً للذات. التعريف الأول للحظة الفلسفية الفرنسية سيكون بالتالي من حيث الصراع على ذات الإنسان، بما أن المسألة الجوهرية التي على المحك في هذا الصراع هي تلك العلاقة بين الحياة والمفهوم.
يمكننا، بالتأكيد، أخذ سؤال المنشأ إلى الوراء أكثر ونصف إنقسام الفلسفة الفرنسية كشقاق على الإرث الديكارتي. بمعنى، اللحظة الفلسفية لما بعد الحرب يمكن قراءتها كنقاش ملحمي عن افكار وأهمية ديكارت، كمخترع فلسفي لفئة الذات. ديكارت كان منظراً للجسد المادي- الحيوان - الآلة وللتأمل الخالص في نفس الوقت. وبالتالي كان معني بفيزياء الظواهر وميتافيزياء الذات معاً. جميع الفلاسفة المعاصرين العظماء كتبوا عن ديكارت: لاكان أثار فعلياً دعوة للعودة إلى ديكارت، سارتر كتب نصاً بارز عن تناول ديكارت للحرية، دولوز ظل خصم عنيد. باختصار، يوجد عدد من الديكارتات بقدر عدد فلاسفة فترة ما بعد الحرب. مرة أخرى، هذا المنشأ يثمر عن التعريف الأول للحظة الفلسفية الفرنسية كمعركة مفهومية حول سؤال الذات.

أربع حركات

ثانياً، التعرف على العمليات الفكرية الشائعة لدى هؤلاء المفكرين. سأبين أربعة اجراءات تجسد بشكل واضح، بالنسبة لي، طريقة لتعاطي الفلسفة خاصة بهذه اللحظة؛ كلها، بطريقة ما، منهجية. الحركة الأولى ألمانية، أو بالأحرى، حركة فرنسية مبنية على الفلاسفة الألمان. كل الفلسفة الفرنسية المعاصرة هي أيضاً، في الواقع، نقاش للأرث الألماني. لحظاتها التأسيسية تتضمن حلقات كوجيف عن هيجل التي حضرها لاكان والتي تأثر بها ليفي ستراوش أيضاً، واكتشاف الفينمولوجيا في الثلاثينيات والأربعينيات، عبر أعمال هوسرل وهايدغر. سارتر، على سبيل المثال، عدل وجهات نظره الفلسفية بصورة جذرية بعد قراءة هؤلاء الكتاب أبان اقامته القصيرة في برلين. دريدا يمكن اعتباره قبل كل شيء مفسر أصيل تماماً للفكر الألماني. نيتشة كان مرجعاً رئيسياً لكل من فوكو ودولوز.
الفلاسفة الفرنسيين إذاً مضوا للبحث عن شيء ما في ألمانيا، من خلال أعمال هيجل، نيتشة، هوسرل وهايدغر. عن ماذا كانوا يبحثون؟ في عبارة واحدة: علاقة جديدة بين المفهوم والوجود. خلف كل الأسماء التي تبناها هذا البحث - البنيوية، الوجودية، الهرمينوطيقا - يقع هدف مشترك: وهو تحويل، أو ازاحة، هذه العلاقة. التحول الوجودي للأفكارـ العلاقة بين الفكر وتربته الحية، كان أمر ملح للمفكرين الفرنسيين المتصارعين مع هذه القضية المركزية في إرثهم الخاص. هذه، إذا، هي "الحركة الألمانية"، البحث عن طرق جديدة لمعالجة العلاقة بين المفهوم والوجود عبر الإستعانة بالتقليد الفلسفي الألماني. في عملية ترجمتها إلى ساحة المعركة الخاصة بالفلسفة الفرنسية، الفلسفة الألمانية أيضاً تحولت إلى شيء جديد بالكامل. هذه العملية إذاً هي بشكل فعال مصادرة فرنسية للفلسفة الألمانية.
العملية الثانية، ليست أقل أهمية، تتعلق بالعلم. سعى الفلاسفة الفرنسيين لإنتزاع العلم من المجال الحصري لفلسفة المعرفة. من خلال إظهار أنه، كطريقة مثمرة ونشاط مبدع، وليس محض هدف للتأمل والإدراك،  يمضي إلى ما وراء مملكة المعرفة. لقد استجوبوا العلم بحثاً عن نماذج للإبتكار والتحويل ستدرجه كممارسة للأفكار الإبداعية مماثلة للنشاط الفني، عوضاً عن مجرد تنظيم للظواهر المكتشفة. هذه العملية لإزاحة العلم من مجال المعرفة إلى مجال الإبداع، وأخيراً جلبه أقرب من أي وقت مضى ناحية الفن، تجد تعبيرها الأسمى عند دولوز، الذي استكشف العلاقة بين الخلق الفني والعلمي بأكثر الطرق براعة وحميمية. ولكن الأمر بدأ من قبله بكثير كواحدة من العمليات التأسيسية للفلسفة الفرنسية.
العملية الثالثة هي عملية سياسية. جميع فلاسفة هذه الفترة سعوا إلى ارتباط عميق للفلسفة بالسؤال السياسي. سارتر، ميرلوبونتي ما بعد الحرب، فوكو، ألتوسير ودولوز كانوا ناشطين سياسيين؛ تماماً مثلما ذهبوا إلى الفلسفة الألمانية بحثاً عن مقاربة جديدة للمفهوم والوجود، فقد بحثوا في السياسة عن علاقة جديدة بين المفهوم والفعل، خصوصاً، الفعل الجماعي. هذه الرغبة الجوهرية لربط الفلسفة بالوضع السياسي حولت العلاقة بين المفهوم والفعل.
العملية الرابعة تتعلق بتحديث الفلسفة، بطريقة تختلف تماماً عن رياء الإدارات الحكومية المتعاقبة. أظهر الفلاسفة الفرنسيين انجذاب عميق نحو الحداثة. لقد تبعوا التطورات الفنية، الثقافية والإجتماعية عن كثب. كان هناك اهتمام فلسفي قوي بالرسم غير التصويري، الموسيقى الجديدة والمسرح، الروايات البوليسية، الجاز والسينما، ورغبة في جلب الفلسفة لتؤثر على أشد التعبيرات كثافة للعالم الحديث. اهتمام شديد أيضاً تم دفعه للجنسانية وطرق المعيشة الجديدة. في كل هذا كانت الفلسفة تبحث عن علاقة جديدة بين المفهوم وانتاج الأشكال - فنية أو اجتماعية أو أشكال للحياة. التحديث إذاً كان هو البحث عن طريق جديد تقارب به الفلسفة خلق الأشكال.
باختصار: اللحظة الفلسفية الفرنسية شملت مصادرة جديدة للفكر الألماني، رؤية للعلم كإبداع، ارتباط سياسي جذري وبحث عن أشكال جديدة للفن والحياة. عبر كل هذه العمليات تجري المحاولة المشتركة لإيجاد موضع جديد، أو إزاحة للمفهوم: إزاحة العلاقة بين المفهوم وبيئته الخارجية بواسطة تطوير علاقات جديدة مع الوجود، الفكر، الفعل، وحركة الأشكال. انه التجديد لهذه العلاقة بين المفهوم الفلسفي والبيئة الخارجية هو ما شكل الإبتكار الواسع لفلسفة القرن العشرين الفرنسية.