الجمعة، 9 ديسمبر 2016

المسرح والعلم: انتونين آرتو

ترجمة: محمد جمال 


دائماً ما بدا لي المسرح الحقيقي مزاولة فعل خطير ورهيب، فعل يتم فيه الإستغناء عن فكرة المسرح والمسرحية إضافة إلى فكرة كل العلوم، كل الأديان وكل الفنون.
الفعل الذي اتكلم عنه يهدف إلى تحول حقيقي، عضوي وفيزيائي، للجسد البشري.
لماذا؟
لأن المسرح ليس ذلك الإستعراض التصويري الذي يطور فيه المرء واقعياً ورمزياًخرافةالمسرح بالأحرى هو هذا الاختبار القاس للنار واللحم الفعلي حيث بواسطة سحق تشريحي للعظام، للأطراف والمقاطع تتجدد الأجساد، هو الفعل الأسطوري لجعل الجسد يظهر فيزيائياً وبدون مداراة.
إن فهمتني بصورة صحيحة، سترى في هذا فعل أصيل بحق الذي سيبدو للجميع سخيف جداً ساذج جداً، في الحقيقة – لممارسته على مستوى الحياة الحقيقية.
فحتى اللحظة لا أحد يؤمن بأن الجسد يمكنه أن يتغير إلا عن طريق الزمن والموت.
الآن،أنا أكرر، الموت حالة مخترعة وهو يحافظ على نفسه حياً فقط عن طريق كل الرعاع السفلة من سحرة، معلمو ومشعوذو العدم الذين يربحون منه والذين لعدة قرون الآن يتغذون به ويعيشون به في حالة تدعى "باردو".
عدا ذلك، فالجسد البشري خالد.
انها تلك القصة القديمة ويجب أن يتم جلبها إلى الحاضر مرة أخرى بواسطة مواجهة هجومية.
الجسد البشري يموت فقط بسبب أننا نسينا كيف نحوله ونغيره.
أبعد من ذلك فهو لا يموت، هو لا يستحيل تراباً، هو لا يمر من خلال القبر.
واحدة من مزحات العدم الشريرة والتي تحصل عليها بالتالي الدين، المجتمع والعلم من الوعي البشري هي عن اقناعه في لحظة معينة على مغادرة جسده، جعله يؤمن بأن الجسد البشري فان ومكتوب عليه "الوداعبعد مدة قصيرة.
لا، الجسد البشري غير فان وخالد وهو يتغير، يتغير فيزيائياً ومادياً تشريحياً وظاهرياً يتغير بوضوح وعلى الفور، شريطة أن تكون على استعداد حقاً لأخذ المخاطرة المادية لجعله يتغير.
لقد وجدت من قبل عملية ذات رتبة أقل سحرية من العلم – والتي لم يتطرق لها سوى المسرح – بواسطتها الجسد البشري، حينما يتم التعرف عليه كشر، يرّحل، وينقل فيزيائياً ومادياً، مضوعياً، كما لو بصورة جزيئية، من جسد إلى آخر، من حالة خاسرة للجسد اختفت منذ مدة طويلة إلى حالة مرتفعة ومعززة للجسدولأجل ذلك كان يكفي أن توجه نفسك لكل القوى الدراماتيكية المدفوعة من تحت والهائمة للجسد البشري.
إذاً فالسؤال هنا هو الثورة، والكل يصرخ مطالباً بثورة ضرورية، ولكن أنا لا اعرف إن كان هناك ما يكفي من الناس قد فهموا بأن الثورة لن تكون حقيقية طالما أنها غير مكتملة فيزيائياً ومادياً، طالما لم تلتفت وتواجه الإنسان، تواجه جسد الإنسان نفسه وتقرر مرة و إلى الأبد مطالبته بأن يتغير.
الآن الجسد صار بذيئاً وشريراً بسبب أننا نعيش في عالم بذيء وشرير لا يريد للجسد البشري أن يتغير، والذي بتدبيره الخاص – من كل الجوانب ولكل الإتجاهات الضرورية – ارسل طاقمه السحري والهلامي من العبيد المدانين لكل مكان لمنع هذا الجسد من أن يتغير أبداً.
بهذه الطريقة فالعالم ليس شريراً فقط على السطح الخارجي، ولكنه جوفيا وسرياً يرعى ويصون الشر الذي جعله كذلك، ولقد جعلناه كذلك حتى أن كل شيء قد ولد من روح شريرة وفي مركز روح شريرة.
ليست الأخلاق فقط هي الملوثة، غلافنا الجوي الذي نعيش فيه نفسه ملوث فيزيائياً ومادياً بالشعر الفعلي، بالمظاهر الفاحشة، بالأرواح الحقودة، بالكائنات المعدية التي يمكنك رؤيتها بالعين المجردة شريطة أن تكون مثلي، عانيت منها طويلاً، مريراً وبصورة منهجية .
الهلوسة أو الهذيان غير واردين هنا:
لا، السؤال هنا عن عالم الأرواح الراسخ والمعقد والمقيت الذي فيه كل ممثل خالد، كل شاعر أزلي للأنفاس قد نذر لأن يشعر  دائماً بالأحزاب المخزية وهي تحول إلى قذارة أنقى معاركه.
ولن تكون هناك ثورة سياسية أو أخلاقية ممكنة، طالما أن الإنسان مستمر في كونه مثبت بطريقة مغناطيسية – حتى في ردود ،أفعاله العضوية والعصبية الأكثر بساطة وأولية – بواسطة النفوذ القذر لكل مراكز المبتدئين المريبة، الجالسون بإحكام في دفء البطانيات الكهربائية لإنفصامهم المزدوج يضحكون على الثورات والحروب، واثقون من أن النظام التشريحي الذي بني عليه وجود وديمومة المجتمع الفعلي على حد السواء لم يعد يعرف كيفية تغيره.
الآن هنالك في أنفاس البشر تحولات وفواصل في النغمة ، من صرخة إلى أخرى، وانتقالات حادة بواسطتها انفتاحات وانطلاقات جسد الأشياء الكامل يمكن تتخلق فجأة، الأمر الذي يمكن أن يدعم أو يذيب العضو مثل شجرة تثبتها وتدعمها بواسطة الجبل العظيم لغابتها.
الآن الجسد يمتلك أنفاس وصرخات تمكنه من العمل في الدرك الأسفل الفاسد للكائن الحي ونقل نفسه بوضوح إلى أعلى لتلك المستويات المتألقة الرفيعة حيث الجسد المتفوق ينتظره بالفعل.
في هذه العملية، في أعماق الصرخات العضوية العمياء للأنفاس المقذوفة، تحدث كل الحالات الممكنة للدم والمزاج، كل معركة الشظايا والأشواك للجسد تغدو جلية، منبثقة من بين الوحوش الزائفة للإنفصام الروحي والحساسية.
لقد كانت هناك فترات غير مشكوك فيها في تاريخ الزمن حيث جرت هذه العملية السيكولوجية وحيث الإنسانية الشريرة لم تحظ أبداً بالفرصة لحشد قواتها معاً وتطوير، كما هي الحالة الآن، وحوشها الصادرة عن المضاجعة.
إذا وصلت الجنسانية البشرية، عند نقطة محددة ولأعراق محددة، لهذه النقطة السوداء، وإذا كانت هذه الجنسانية تنجب تأثيرات فاسدة، سموم جسدية فظيعة تشل الآن كل جهود الإرادة والإحساس وتجعل من محاولات التحول والثورة الكاملة والحاسمة مستحيلة – إذا كان الأمر كذلك، فبسبب أنه قد مرت قرون بالفعل رفضت عملية تحوير سيكلوجية معينة وتحول عضوي حقيقي للجسد البشري، وبواسطة رجسهم، بواسطة وحشيتهم المادية اللوطية واتساعهم قد رموا في ظلال الليالي النفسية الفاترة كل الدراما السيكلوجية ، المنطقية والدياليكتيكية للقلب البشريأنا أعني أن الجسد يكبل أنفاسه، وهذه الأنفاس تقيد الأجساد التي ضغط خفقاتها والضغط الجوي الفظيع تبيد، متى ما نشأت، كل الحالات النفسية أو المشبوبة بالعاطفة الي يمكن للوعي أن يستحضرها.
هناك درجة من التوتر، من الإنسحاق، من العتمة الكثيفة، من الرفض المتراكم للجسد التي خلفت وراءها كل الفلسفة، كل الدياليكتيك، كل الموسيقى، كل الفيزياء، كل الشعر، كل السحر.
لن أريك اليوم ما يحتاج إلى ساعات كثيرة من التمارين المتدرجة لمجرد جعل نفسه يظهر؛ بالإضافة إلى ذلك فسأحتاج إلى مساحة وهواء، وخصوصاً إلى عزم لا امتلكه.
ولكنك بالتأكيد ستفهم من النصوص التي ستتكلم قادمة من اولئك الذين تكلموها، الصرخات، الانطلاقات الحرة لصدق في طريقه إلى هذه الثورة الشاملة للجسد التي بدونها لايمكن تغيير أي شيء.

هناك تعليق واحد: