الخميس، 1 سبتمبر 2016

سلافوي جيجك:الديمقراطية هي العدو

ترجمة: محمد جمال



الاحتجاجات في وول ستريت وكاتدرائية سانت بول متشابهة، كتبت آن أبلباوم الصحفية في الواشنطون بوست، "في افتقادها للتركيز، في طبيعتها غير المكتملة، وفوق كل ذلك في رفضها الانخراط في مؤسسات ديمقراطية قائمة". "على عكس المصريين في ميدان التحرير، مضت الصحفية تقول، الذين يُقارن المحتجون في لندن ونيويورك بانفتاح (وبسخافة) أنفسهم بهم، نحن نملك مؤسسات ديمقراطية".
بمجرد أن نختصر اِحتجاجات ميدان التحرير كنداء للديمقراطية على الطريقة الغربية، كما فعلت أبلباوم، بالتأكيد سيكون من السخافة مقارنة اِحتجاجات وول ستريت مع الأحداث في مصر: إذ كيف يمكن لمحتجين في الغرب المطالبة بما لديهم بالفعل؟ ما حجبته عن الرؤية هو احتمال أن يكون هناك سخط عام من النظام الرأسمالي العالمي والذي يأخذ أشكالًا مختلفة هنا وهناك.
"وبعد، بمعنى آخر"، اعترفت أبلباوم، "أن فشل حركة احتلوا العالمية في إنتاج اقتراحات تشريعية أمرٌ مفهوم: لأن كلًا من مصدر الأزمة الاقتصادية العالمية وحلولها يقعان، بالتعريف، خارج اختصاص الساسة المحليين والقوميين. قسرًا وصلت أبلباوم لهذه الخلاصة "العولمة قد بدأت بوضوح في تقويض شرعية الديمقراطية الغربية". هذا بالتحديد هو ما يحاول المحتجون لفت الانتباه إليه: الرأسمالية العالمية تقوض الديمقراطية.الخلاصة المنطقية الإضافية هي أننا يجب أن نبدأ في التفكير في توسيع الديمقراطية إلى ما وراء شكلها الحالي، المعتمد على نظام الدول والأحزاب، والذي أثبت عجزه عن إدارة العواقب المدمرة للحياة الاقتصادية. بدلاً من القيام بهذه الخطوة قامت أبلباوم بإلقاء اللوم على المحتجين لإثارتهم هذه المسألة.
النشطاء "العالميون" ،إذا لم يكونوا حريصين، سيعجلون ذلك الانحسار. المحتجون في لندن يصرخون :"نحن بحاجة إلى أن تكون لدينا آلية!" حسنًا، هم يمتلكون آلية: إنها تدعى النظام السياسي البريطاني. وإذا لم يعرفوا كيف يستخدمونها، فهم ببساطة سيضعفونها.
إذن، حجة أبلباوم تبدو كالتالي طالما أن الاقتصاد العالمي يقع خارج نطاق الممارسة الديمقراطية، أي محاولة لتوسيع الديمقراطية لإدارتها ستسارع انحسار الديمقراطية. ماذا علينا أن نفعل إذن؟ نستمر بالانخراط، على ما يبدو، في نظام سياسي غير قادر على أداء وظيفته على حسب روايتها.
لا يوجد هنالك نقصٌ في النقد الموجه ضد الرأسمالية في اللحظة الحالية: نحن مغمورون بقصص عن شركات تقوم بتلويث بيئتنا بلا رحمة، المصرفيون يقومون بكنس المكآفات الضخمة بينما مصارفهم يتم إنقاذها بأموال الشعب، مصانع الاستغلال حيث يعمل الأطفال لساعات إضافية في صناعة الملابس الرخيصة لأجل منافذ البيع في الشوارع الاستهلاكية. هناك مقابل مع ذلك. الافتراض أن النضال ضد التجاوزات أعلاه يجب أن يأخذ مكانه داخل الأُطر الديمقراطية الليبرالية المعروفة. الهدف (الصريح أو الضمني) هو دمقرطة الرأسمالية، تمديد سيطرة الديمقراطية على الاقتصاد العالمي، من خلال ضغط التقارير الإعلامية، الاستجوابات البرلمانية، القوانين الرادعة، تحقيقات الشرطة الخ. ما يمضي من دون مُساءلة هو الأُطر المؤسسية للدولة الديمقراطية البرجوازية. يظل هذا مقدسًا حتى لأكثر الأشكال ثورية لما يعرف بــ "الأخلاقيات المعادية للرأسمالية"- مؤتمر بورتو اليجري واِحتجاجات سياتل وسواها.
هنا، فكرة ماركس الرئيسية تظل وثيقة الصلة بالموضوع كما كانت أبدًا: سؤال الحرية لا يجب موضعته في النطاق السياسي بالدرجة الأولى- أي في أشياء مثل انتخابات حرة، قضاء مستقل، صحافة حرة، احترام لحقوق الإنسان. الحرية الحقة تقع في شبكة العلاقات الاجتماعية اللاسياسية، من السوق إلى العائلة، التغيير المراد لأجل تحقيق النماء ليس إصلاحًا سياسيًا، ولكن تغيير في العلاقات الاجتماعية للإنتاج. نحن لا نصوت حول من يملك ماذا، أو حول العلاقات بين العمال في مصنع . أشياء كهذه تُترك ليتم معالجتها خارج النطاق السياسي، وإنه لوهم أن يعتقد المرء أن بإمكانه تغيير أشياء كهذه بتمديد الديمقراطية: مثلاً بإقامة مصرف "ديمقراطي" تحت سيطرة الشعب. التغييرات الجذرية في هذا المجال يجب أن تتم خارج نطاق الأجهزة الديمقراطية كحقوق قانونية الخ. بالتأكيد لهذه الأجهزة دور إيجابي لتلعبه ولكن يجب أن نضع بعين الاعتبار أن الآليات الديمقراطية هي جزء من أدوات الدولة البرجوازية تم تصميمها لضمان هدوء عملية إعادة إنتاج الرأسمالية. باديو كان على حق حين قال أن اسم العدو المطلق اليوم ليس الرأسمالية، الإمبراطورية، الاستغلال ولا شئ من هذا القبيل، بل الديمقراطية: إنه الوهم الديمقراطي، القبول بالآليات الديمقراطية باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتغيير، والذي يمنع التحولات الأصيلة في العلاقات الرأسمالية.

احتجاجات وول ستريت هي البداية فقط، ولكن على المرء أن يبدأ كذلك، بإيماءة رفض رسمية والتي هي أهم من محتواها الإيجابي، لأن إيماءة كهذه فقط يمكنها أن تفتح فضاء لمحتويات جديدة. إذا فنحن يجب أن لا نُشتت بالسؤال: "ولكن ماذا نريد؟" هذا سؤال تطرحه سلطة ذكورية للمرأة الهستيرية: "كل هذا الأنين والشكوى - هل لديك فكرة عن ما تريدين حقاً؟" بمصطلحات التحليل النفسي، المحتجون عبارة عن هيجان هيستيري اِستفز السيد، قوض سلطته، وسؤال السيد- "ولكن ماذا تريدون؟" - يخفي بين السطور: "أجيبوني بمصطلحاتي الخاصة أو اصمتوا!". حتى الآن فالمحتجون قد قاموا بعمل جيد متجنبين كشف أنفسهم لنقد لاكان لطلاب 1968 :"كثوار، أنتم هستيريون تطالبون بسيد جديد، وستحصلون على واحد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق