الخميس، 29 سبتمبر 2016

زيت الكلب: أمبروز بيرس

ترجمة: محمد جمال



إسمي بوفر بينجز. ولدت لأبوان شريفان في واحدة من مناحي الحياة المتواضعة، والدي كان يصنع زيت الكلب ووالدتي امتلكت ستوديو صغير في ظل كنيسة القرية، حيث كانت تتخلص من المواليد غير المرغوب فيهم. في صباي تم تدريبي على عادات الصنعة. انا لا اساعد والدي في جلب الكلاب إلى أحواضه فقط، بل كثيراً ما كنت أوظف بواسطة امي لأتخلص من أنقاض عملها في الاستوديو. في تأدية هذا الواجب كنت احياناً في حاجة لكل ذكائي الطبيعي لأن كل ضباط القانون في المنطقة كانوا يعارضون عمل والدتي. لم يتم إنتخابهم في لائحة المعارضة، والمسألة لم تصر قضية سياسية أبداً؛ لقد كان الأمر كذلك فقط. عمل والدي في صناعة زيت الكلب كان، بطبيعة الحال، أقل كرهاً، رغم أن اصحاب الكلاب المفقودة كانوا ينظرون إليه احياناً بإرتياب، الأمر الذي إنعكس علي إلى حد ما. والدي كان يمتلك، كشركاء صامتين، كل أطباء البلدة، الذين نادراً ما كتبوا وصفة طبية لا تحتوي على ما كان يسرهم ان يطلقوا عليه إسم "أو إل. كان." انه بالفعل أنفس الأدوية التي تم إكتشافها على الإطلاق. لكن معظم الناس ليسوا على إستعداد لبذل تضحيات شخصية في سبيل المرضى، وقد كان جلياً ان الكثير من كلاب البلدة السمينة قد حرم عليها اللعب معي- حقيقة آلمت مشاعري الصغيرة، وفي أحد المرات كانت قريبة من دفعي إلى ان اصير قرصان.

عندما انظر لتلك الأيام،احياناً، لا يمكنني إلا ان اندم على أنه بمساهمتي غير المباشرة في موت والداي العزيزان كنت المؤلف لتلك المصائب التي أثرت على مستقبلي بشكل عميق.

في إحدى الليالي بينما كنت اجتاز مصنع والدي للزيت مع جثة لقيط من ستوديو والدتي رأيت شرطي بدا انه يراقب تحركاتي عن كثب. منذ صغري تعلمت ان تصرفات الشرطي، أي كان مظهره الشخصي، تحثها اكثر البواعث بغضاً، وتملصت منه بالإنزلاق إلى مصنع الزيت عبر باب جانبي حدث ان كان مفتوح جزئياً. أغلقت الباب فوراً بعد دخولي وكنت وحيداً مع ميتي. والدي كان قد إنزوى لهذه الليلة. الضوء الوحيد في المكان كان يجيء من الفرن، الذي توهج بلون قرمزي غني وعميق تحت أحد الأحواض، ساكب إنعكاسات حمراء على الجدرن. داخل المرجل لا يزال الزيت يتموج في غليان بطيء، دافع إلى السطح ،بين الحين والآخر، بقطعة من كلب. أجلست نفسي في إنتظار ذهاب الشرطي، وضعت جثة اللقيط العارية على حجري وبحنان مسدت على شعره القصير الناعم. اووه، كم كان جميلاً! حتى في تلك السن المبكرة كنت مولع بالأطفال بشغف، وبينما اتطلع إلى هذا الملاك كدت اعثر في قلبي على رغبة في ان يكون الجرح الأحمر الصغير الذي على صدره -عمل والدتي العزيزة- غير مميت.

لقد كان من عادتي ان اقوم بإلقاء المواليد في النهر الذي وفرته الطبيعة، بشكل مدروس، لهذا الغرض، ولكن في تلك الليلة لم اكن أجرؤ على مغادرة مصنع الزيت خوفاً من الشرطي. "بعد كل شيء،" قلت لنفسي، "لا يهم الأمر كثيراً إذا قمت بوضعه في المرجل. والدي لن يميز أبداً بين عظامه وعظام الجراء، والوفيات القليلة التي ستنتج من تعاطي زيت من نوع آخر غير "أو إل. كان." الذي لا يضاهيه شيء غير مهمة في تعداد السكان الذي يزيد بسرعة كبيرة. بإختصار، إتخذت الخطوة الأولى في الجريمة وجلبت لنفسي احزان لا تعد ولا تحصي بإلقاء المولود في المرجل.

اليوم التالي، لدهشتي، فرك والدي كفيه في رضا وهو يبلغني انا وأمي بأنه تحصل على افضل نوعية زيت على الإطلاق. الأطباء الذين عرض عليهم عينات أثنوا عليه كثيراً. أضاف انه لا يمتلك اي معرفة عن كيف تم الحصول على تلك النتيجة؛ الكلب تمت معاملته بكل إحترام كالعادة، وقد كان من سلالة عادية. اعتقدت ان من واجبي ان اشرح-الأمر الذي فعلته-، رغم ان لساني كان سيشل ان كنت قد تنبأت بالعواقب. نادبين على جهلهم السابق من مزايا دمج صنعتيهما، إتخذ والداي تدابير فورية لإصلاح الخطأ. نقلت والدتي الاستوديو إلى جناح في مبنى المصنع وواجباتي فيما يخص العمل توقفت؛ لم يعد مطلوب مني بعد الآن التخلص من جثث الزوائد الصغيرة، ولم يعد هنالك حاجة في إغواء الكلاب إلى هلاكها، لأن والدي تخلص منها كلها، رغم انها لا تزال تمتلك مكانة مبجلة في إسم الزيت. هكذا فجأة رميت إلى البطالة، ربما توقع مني طبيعياً ان اصير فاسد وفاسق، لكنني لم أفعل، التأثير المقدس لوالدتي العزيزة كان دائماً معي ليحميني من الإغراءات التي تهاجم الشباب، ووالدي كان شماس في الكنيسة. واحسرتاه، انه بواسطة خطأي سيقبل هذان الشخصان الجديران بالإحترام إلى نهاية سيئة للغاية.

بحصولها على ربح مضاعف من عملها، كرست والدتي نفسها له بإجتهاد جديد. لقد تخلصت ليس فقط من الزوائد والمواليد غير المرحب بهم ، بل مضت إلى الشوارع الرئيسة والجانبة تجمع أطفال ذوي نمو كبير، وحتى اولئك الكبار الذين إستطاعت إغواءهم إلى مصنع الزيت. والدي،ايضاً، مفتوناً بالجودة الممتازة للزيت المنتج، قام بتموين أحواضه بإجتهاد وحماس. بإختصار،صار تحويل جيرانهم إلى زيت كلب، الشغف الوحيد في حياتهم - جشع غامر ومستحوذ إستولى على أرواحهم وخدمهم بدلاً عن الأمل في الجنة- به أيضاً، كانوا ملهمين.

صارا الآن جريئين جداً لدرجة ان عقدت جلسة علنية مررت فيها قرارات تنتقدهم بشدة. لقد ألمح الرئيس ان اي غارات إضافية على السكان ستقابل بروح عدائية. والداي المسكينان غادرا الإجتماع ، بقلوب محطمة، محبطان، واعتقد، ليس في كامل قواهما العقلية. على كل حال اعتقدت ان من الحصافة ألا ادخل مصنع الزيت معهم في تلك الليلة، ونمت بالخارج في الحظيرة.

حوالي منتصف الليل بعض الدوافع الغامضة تسببت في ان انهض واحدق عبر النافذة إلى غرفة الفرن، المكان الذي اعرف ان والدي نائم فيه الآن. النار كانت تتقد متألقة كأنه يتوقع من حصاد اليوم التالي ان يكون وفيراً. أحد المراجل الضخمة كان يئز ببطء بهيئة غامضة تنم عن ضبط النفس،كأنه يتحين اللحظة المناسبة ليبذل طاقته القصوى. والدي لم يكن في الفراش، كان واقف في ملابس النوم يعد أنشوطة من حبل قوي. من النظرة التي كان يصوبها إلى باب غرفة نوم والدتي أدركت جيداً جداً الغاية التي كانت تدور في خلده. صامت ومتجمد من الرعب، لم يكن بوسعي فعل شيء في سبيل الوقاية او التحذير. فجأة انفتح باب مسكن والدتي ، بدون ضوضاء، وتواجه الإثنان، كلاهما على ما يبدو متفاجئ. السيدة أيضاً كانت في ملابس النوم، وتحمل في يدها اليمنى أداة مهنتها، خنجر طويل ذو نصل مدبب.

هي ايضاً لم تكن قادرة على حرمان نفسها من الربح الاخير الذي تركه لها غيابي وتصرفات المواطنين الفظة. لوهلة نظر كلاهما إلى عيون الآخر المشتعلة ثم إنطلقا معاً في عنف يفوق الوصف. جولة بعد جولة كافحا في الغرفة ،الرجل يسب، المرأة تصيح، الإثنان يقاتلان كالشياطين- تحاول طعنه بالخنجر، يحاول خنقها بيديه العاريتين الضخمتين. لا اعرف لكم من الوقت إمتلكت البؤس لمشاهدة هذه الحالة الكريهة من التعاسة المنزلية، ولكن اخيراً، بعد كفاح أكثر حدة من المعتاد، تفرق المحاربان فجأة.
صدر والدي وسلاح والدتي أظهرا أدلة على الإتصال. لوهلة اخرى حملقا بغضب في بعضهما بأكثر الطرق إثارة للحسد؛ بعدها والدي الجريح المسكين، شاعر بيد الموت تقترب منه، وثب إلى الأمام، غير مبال بالمقاومة، أمسك والدتي العزيزة بيده، سحبها إلى جانب أحد المراجل التي تغلي، جمع كل طاقته الضعيفة، وإنطلق معها إلى الداخل ! خلال لحظة، اختفى الإثنان واضافا زيتهما لزيت لجنة المواطنين التي دعت في النهار السابق إلى الإجتماع العام.

واثق بأن هذه الأحداث التعيسة قد أغلقت امامي كل السبل إلى مهنة محترمة في البلدة، إنتقلت إلى مدينة أتوموا الشهيرة، حيث كُتبت هذه الذكريات بقلب ممتليء بالندم عن كيفية تسبب عمل مستهتر في كارثة تجارية مفجعة جداً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق